15‏/10‏/2012

ألزهايمـر "أقصوصـة"


مؤلم ان تبحث كالتائه في أزقة الذاكرة فلا تجد سوى ظلام حالك ،، مؤلم ان تنسى شخصا .. صورة .. كلمة ..حدثاَ كان يوماَ ما او للحظة ما أجمل ما عشته ..
تخيل ان تعيش حياتكـ وكل مُدخل فيها هو مُخرج في اللحظة ذاتها! .. تخيل ان تنظر الى زوجتك فتنسى اسمها او من تكون لك .. او تخرج الى الشارع فتنسى طريق العودة .. او حتى تنسى كيف يكون الكلام وكيف ترتدي ثيابك،،

حينها تتساءل .. هل ما اعيشه حياة ام شِبه ؟!


هذا تماما ما تحدّث عنه الكاتب غازي القصيبي في "أقصوصته" ألزهايمر ، وأظن ان هذا المرض وصلت شهرته حد الهزل في أحاديث البعض،،
يروى الكاتب قصة "يعقوب العريان" وهو في المرحلة الاولى من ألزهايمر، وتفاصيل ما يعانيه ويعيشه برسائل كتبها يعقوب اثناء تواجده في مركز ألزهايمر في جامعة جورج تاون الى زوجته - التي لم تكن على علم بمرضه ولا بمكانه – يتحدث فيها عن المرض (الأرستقراطي) ، وعن سبب اخفاء امر مرضه عن زوجته ، وعن أصدقائه المرضى في المركز، وعن التعاسة التي يعيشها كل لحظة بسبب عدم قدرته على تذكر ما بامكانه اسعاده ..

الرسائل وصلتها من الدكتور جيمس ماكدونالد بعد وفاة زوجها اثر نوبة قلبية حادة ومفاجأة ، وفي طيها الآتي :

عزيزتي،

أشعر انه من الضروري ان اعطيك فكرة عن مرضي ، انا واثق انك سمعت عنه من قبل ولكني اشك ان لديك فكرة وافيه عنه، "ألزهايمر" اذا اردنا الدقة هو ليس اسم المرض ولكن اسم الجراح الالماني الذي اكتشف المرض آلويس ألزهايمر في سنة 1906 ، كان هذا الجراح يشرح مريضا عندما اكتشف تلفاَ من نوع خاص في خلايا المخ لم يلاحظه احد من قبل، وسمي المرض باسم الطبيب المكتشف.

عزيزتي،

سبحان الله ! هل للذكريات حياة ؟ هل لها روح؟ هل لها عقل ؟ هل تشعر انها بعد حين لن تجد مأوى في الذاكرة فتضطر الى الهيام شريدة طريدة بلا ملجأ ؟ هل هذه الذكريات كالارواح المنكودة التي غادرت اجسادها ولم تستطع التحرر من سجن الارض فاصبحت ارواحا ضائعة لا يؤويها احد ؟ وهل هناك تراتبية بين الذكريات؟ هل هناك طبقية ؟ هل هناك تفرقة كالتي تميّز بين بشر من الدرجة الاولى وبشر من الدرجة الثانية وبشر تحت خط التصنيف ؟ لم تكن هذه الاسئلة مهمة في الماضي، ولكنها، الآن ، تتطلب أجوبة.

عزيزتي،

كما أعرف ان صديقي ألزهايمر لا يفرّق بين شئ جيد وشئ سئ ، لا يفّرق بين ذكرى القبلة الحالمة وذكرى الطعنة القاتلة، لا يفرق بين ما فعله الاعداء وما فعله الاصدقاء، يمحو كل شئ ولعله يمحو الاشياء الطيبة قبل الاشياء الرديئة، وعندما يذهب كل شئ اي معنى يبقى للسعادة؟ ما هي السعادة؟ اليست السعادة في التحليل النهائي ، مجموع التجارب السعيدة ؟ بلا ذاكرة لا توجد تجارب .. لا يوجد سوى فراغ .. فراغ الموت.

عزيزتي،

لا يضرك ان تعرفي باختصار شديد ومن دون اي مبالغة بيانية ما يحدث في كل مرحلة من مراحل المرض الثلاث؛ في بداية المرحلة الاولى يبدا المريض نسيان مواعيده ولا ينتبه الى مرور الوقت ولا يتذكر احداث الماضي القريب ، وفي نهاية المرحلة ينزع الى العزلة والانطواء ويتفوّه بجمل لا تحمل معنى محدداً وينسى الكثير من الكلمات التي كان يعرفها . وتبدأ المرحلة الثانية بعجز المريض عن القيام بامور يدوية مثل شبك الازارير كما يجد صعوبة في فهم الكلمات ، وتنتهي هذه المرحلة والمريض في حاجة الى من يساعده في الحركة ، ويعاني من نوبات الغضب والاحباط. اما المرحلة الثالثة فتبدأ بعجزه عن القيام بما يقوم به الانسان الطبيعي في دورة المياه وتنتهي بان يصبح كومة بشرية لا تستطيع القيام بشئ .. أي شئ ! من دون مساعدة الآخرين.

عافانا الله وإياكم..



هناك تعليقان (2):

M يقول...

شكراً على المُلخَّص، نعم هو مؤلم أن تتساقط الذكريات كقطع الدومينو، والمؤلم أن هذا المرض عافانا الله وإياكم منه لا يفرق بين أجمل ما يملكه الإنسان وهي الذكريات الجميلة، وذكريات الخطيئة والذنب والندم.

لا أدري لماذا تذكرت فيلم Eternal Sunshine of the Spotless Mind، عندما يقرر أحدهم أن يستعين بمختصين في حذف الذكريات التي لا تعجبه من ذاكرته، ربما ذلك الفريق المتخصص هو تهذيب للزهايمر الأعمى.

al-farasha يقول...

لا أدري لماذا أدمعت عيناني عند قراءة هذه الأسطر البسيطة عن هذا المرض قرات عنه قليلا لكن عند ربط هذا المرض بزوج وزوجته .. صدقا كان وقعه على النفس مؤلم ..

دائمة مميزة فيما تسطريه لنا
صديقتي رنــا دمتي بهذا التميز