27‏/10‏/2013

لماذا ؟!

 
 
 
!? Omer Farouk- Why 
 
 





 

ساق البامبو


أن يتزوج رجلٌ ثريٌ من خادمته أمر شائع ومحتمل عند البعض .. اما ان تنجب الخادمة منه طفلا يحمل اسمه واسم عائلته ذات المكانة الرفيعة .. فهذا عار وجريمة يُدينه عليها .. وعلى الرجل ان يتصرف وينفي خادمته (ولا اقول زوجته) مع من جلبته للدنيا الى حيث أتت !!!
لكن، ماذا يحدث بعد ذلك ؟ ما هو مصير الأم عندما ترجع الى بلادها ومعها طفل بلا أب ؟ وعلى أي هيئة يكون دين/جنسية/هوية/ثقافة/بلد/مستقبل/انتماء/اسم الطفل ؟!


يحكي الكاتب الكويتي المبدع سعود السنعوسي في رائعته ساق البامبو عن المعاناة، التناقضات، والتيه الذين يعيشهم وليد أم وأب من بلدين، دينين، ثقافتين مختلفتين ..
فـ جوزافين: إمرأة فيلبينية مسيحية أنهكها الفقر في بلادها .. آثرت السفر الى الكويت والعمل كـ خادمة على البقاء في الفلبين والعمل كـ "منديل ورقي يتمخط به الرجال الغرباء .. يرمونه أرضاً .. ويرحلون .. فيكون الثمن في الغالب "أبناء بلا أباء"
وراشد: شاب مسلم مثقف .. فيه بعضٌ من الشهامة .. وهو آخر الرجال في عائلته .. عائلة الطاروف الكويتية العريقة ذات الصيت والغنى . 
حدث وان تزوج راشد من جوزافين (خفية بالطبع) وأنجبا طفلاً أسماه عيسى او هوزيه بالفلبينية .. اعتبرته عائلة الطاروف لعنة حلّت عليهم ،، ولم تكف عن الالحاح والضغط على راشد حتى قام الأخير بنفي زوجته الى الفلبين واعدا اياها انه لن يتخلى عنهما

عيسى :
يكبر الطفل في بلاد أمه الفلبين حيث الفقر والجوع معتنقاً دينها المسيحي .. تناديه عائلته هناك بـ هوزيه،  صابراً على ذلك مستعينا ً بوعد أبيه بأن يعود يوماً الى بلاد العجائب .. الكويت، حيث الدين الاسلامي ، الرخاء والسعادة .. جازماً أنه سيكون قادراً على محاكاة ساق البامبو و العيش بالبلدين بغض النظر عن اختلافهما ..
لكن عندما يعود عيسى الى الكويت يجد أن أبيه قد تُوفي في حرب الكويت ، وعائلته تقف بين خيارين: إما أن تحافظ على سلالة عائلة الطاروف باعترافها بابن رجل العائلة الأخير وتكون بذلك قد تنازلت عن سمعة العائلة ،، أو أن تُنكره وتكون بذلك قد حافظت على صيتها بين العائلات تبعاً بالمثل القائل: (الصيت ولا الغنى) ،، وقد وقع الخيار على الأخير فأصرّت أن عيسى لعنة وعار وعلى العائلة أن تنبذه وتُخفيه .. مما جعل عيسى يكره نفسه لما جلبه لهم .. ويكرههم لما فعلوه به .. ويكرههم فيكرهه لانه واحد منهم ..
في الكويت .. لا شئ يشبهه من قريب او من بعيد .. فهو نصف كويتي .. أوارقه الثبوتية تقول أنه ذو جنسية كويتية لكن ملامحه الفلبينية تنفي ذلك .. ينظر اليه الناس ويستغربون وجوده بينهم ،، ضاقت عليه البلاد بما وسعت .. فرجع الى المكان الذي جاء منه .. حيث نشأ وينتمي ..

أنا والرواية:
الرواية رائعة جدا عكفتُ على قراءتها فأتممتها في يومين، ذات عائد ثقافي غزير ..  دقة في الوصف .. وسلاسة في السرد .. أتقن السنعوسي خدعته حينما أوهم القارئ بأن عيسى يروي سيرته وقد كتبها بالفلبينية و قام صديقٌ له بترجمتها للعربية .. في حين كان سعود السنعوسي هو الرواي الأول والأخير.
الرواية تُحاكي حالاً قد يكون مقتصراً على بلاد الخليج العربي .. لكن القِيم الانسانية، الدينية والأخلاقية الواردة تشمل كل مكان !

عشت مع هوزيه فقره، معاناته وتيهه، بحثت معه عن دين يعتنقه وعن وطنٌ ينتمي اليه وعن اسم أناديه به .. أحببت الكويت التي حلم بها .. وكرهت التي عاشها ،، وما ان انتهت الرواية شعرت كما لو كنت مع رفيق سفر طويل .. وصل الى محطته .. وانا بقيت ..


المقتطفات:
·  ليس المؤلم أن يكون للأنسان ثمن بخس .. ولكن الألم كل الألم ان يكون للانسان ثمن
·  ان الذي لا يستطيع النظر الى وراءه، الى المكان الذي جاء منه .. سوف لن يصل الى وجهته ابدا ~ خوسيه ريزال (بطل قومي فلبيني)
· "لو انهما اتفقا على شئ واحد .. شئ واحد فقط .. بدلا من ان يتركاني وحيدا اتخبط في طريق طويلة باحثا عن هوية واضحة الملامح .. اسم واحد التفقت لمن يناديني به .. وطن واحد أولد به .. أحفظ نشيده، وأرسم على أشجاره وشوارعه ذكرياتي قبل ان ارقد مطمئنا في ترابه .. دين واحد أؤمن به بدلا من تنصيب نفسي نبيا لدين لا يخص احدا سواي .. لو كنت شيئا اي شئ واضح المعالم لو..  لو.. لو..  " عيسى 
· لكل منا دينه الخاص، نأخذ من الأديان ما نؤمن به ، ونتجاهل ما تدركه عقولنا، او نتظاهر بالايمان ، ونمارس طقوسا لا نفهمها خوفا من شئ نحاول ان نؤمن به
· ليست الحرب هي القتال في ساحة المعركة، بل تلك التي تشتعل في نفوس اطرافها .. تنتهي الاولى .. والثانية تدوم
· تحفر المشاهد المأساوية نقوشها على جدران الذاكرة، في حين ترسم السعادة صورها بألوان زاهية .. تمطر سُحُب الزمن .. تهطل الأمطار على الجدران .. تأخذ معها الألوان .. وتُبقي لنا النقوش
· الصمت .. وحده الصمت قادر على تحفيز الأصوات بدخلنا 
·  نحن لا نكافئ الآخرين بغفراننا ذنوبهم ، نحن نكافئ أنفسنا، ونتطهر من الداخل
· "في اذني اليمنى صوت الاذان يرتفع في اذني اليسرى قرع اجراس الكنيسة في انفي رائحة بخور المعابد البوذية تستقر انصرفت عن الاصوات والرائحة والتفت الى نبضات قلبي المطمئنة فعرفت ان الله .. هنا" عيسى 
· العطاء من دون حب لا قيمة له الاخذ من دون امتنان لا طعم له
· الغياب شكل من اشكال الحضور، يغيب البعض وهم حاضرون في اذهاننا اكثر من وقت حضورهم في حياتنا
· الموت ذاته يقف عاجزا امام الامل في اللقاء وان كان لقاء نوع اخر في عالم اخر، وليس وفاؤنا للأموات سوى امل في لقائهم وايمان بانهم في مكان ما ينظرون الينا وينتظرون
· الكلمات الطيبة لا تحتاج الى ترجمة، يكفيك ان تنظر في وجه قائلها لتفهم مشاعره وان كان يحدثك بلغة تجهلها 
· "لو كنت شجرة بامبو لا انتماء لها تقطع جزءا من ساقها نغرسه بلا جذور في اي ارض لا يلبث الساق طويلا حتى تنبت له جذور جديدة بلا ماض بلا ذاكرة لا يلتفت الى اختلاف الناس حول تسميته كاويان في الفلبين خيزران في الكويت او بامبو في اماكن اخرى" عيسى